وفعلا، في تمثيله للجبل أو الصحراء، غالبا ما يتحول موضوعه إلى كتابة مجرّدة، إلى دوامة من الخطوط المتموّجة، الحيّة، التي تحتل كامل فضاء اللوحة، وتعكس الانفعالات الآنية للفنان في حضرة الطبيعة. خطوط أحادية اللون تتخللها مساحات صغيرة جدا.. لمسات تحضر بألوان نيّرة، ونقرأها كإشراقات ناتجة عن فعل تأمّل طويل ومثمِر.وبالتالي، لا نبالغ إن وصفنا شمعون كشاعر ملهَم يسعى باستمرار إلى هروب نحو سلام داخلي خصب بالرؤى، لا يجده إلا في أحضان الطبيعة الجبلية أو الصحراوية.ففي دليل معرضه الأخير، نقرأ له قصيدة كتب فيها:
"عندما يغطي الثلج كل شيء
ينسيني تفاصيل الحزن
في عيون الأرض.
[...]
ما أجمل ذلك السلام الذي تبتكره الطفولة".وفي لوحاته، ثمة دعوة إلى تقاسم ذلك السلام وتلك الرؤى التي يختبرها:
"ذلك السلام العابر
أخترعه حيث لا أجده
أرسمه كلما ظننتُ أنني أراه
ثم أنتظر
ومعي ينتظر الآخرون".نعم، الآخرون الذين يحضرون بشكل ثابت داخل لوحاته، بما فيها تلك التجريدية، كصف من البشر في أسفل اللوحة دائما، في حالة تأمّل وانتظار عند سفح الجبل أو في قلب الصحراء، وبحجم صغير جدا يعكس موقع الإنسان داخل الطبيعة وسلم العلاقة التي تربطهما.
ولخطّ مدونته البصرية، يعالج الفنان سطوح لوحاته بمادة كثيفة وناتئة من الأكريليك، أو شفافة وجوفاء، متابعا تبسيطا يتناغم مع جمالية المشهد التصويرية أو التجريدية، ضمن جهد استنباطي يهدف إلى استكشاف المناخ الأثيري للجبل أو الصحراء وإيحاءاته.وفي هذا السياق، يمسك بألق الإيقاعات المتحركة للمشهد المرسوم من خلال وسائل تقنية يتحاور فيها التمثيل الموجز والحذف والتمويه والإخفاء والتوازي.باختصار، جدد شمعون العلاقة مع الطبيعة التي شكلت ميدان اختبار لمعظم فناني جيل سبعينيات القرن الماضي في لبنان والعالم العربي، إذ استطاع التقاط روحها وتجلياتها وتضاريسها وحيوية عناصرها، وفي الوقت ذاته استخدمها ذريعة لاختباراته التشكيلية الغزيرة.ومن هذا المنطلق قال مؤخرا حول طريقة عمله "لا أؤمن بالأسلوب كنتيجة نهائية لكل تجربة جمالية أتابعها.. الأسلوب باعتباره بصمة شخصية، يجب أن يختلف من تجربة جمالية إلى أخرى.. أن ندجّن عملنا الفني داخل أسلوب ثابت ويسهل التعرّف إليه، هو بمثابة الانتحار بالنسبة لي.. القيمة الجمالية التي أسعى دائماً خلفها هي التي يجب أن تترك بصمتها على كل عمل أوقّعه".
